المقدمة
هناك ألعاب تجد نفسك تعود إليها مراراً دون وعي، وكأنها تُغريك بخليط غريب من البساطة والتعقيد. Orcs Must Die! Deathtrap هي واحدة من هذه التجارب التي قد تبدو للوهلة الأولى مجرد لعبة دفاع أبراج (Tower Defense) تقليدية، لكنها بعد التعمق تكشف عن مزيج حاد بين الخطط الاستراتيجية والقتال المباشر، بين الدقة في توزيع الفخاخ وحماسة مواجهة الأعداء بقدراتك الخاصة . بعد ما يقارب 50 ساعة من اللعب، لم أشعر أن التجربة فقدت بريقها. بل كلما تقدمت أكثر كلما وجدت نفسي أغرق في دورة جديدة من التفكير والتجربة وإعادة التخصيص بين الأدوات التي توفرها اللعبة.
القصة
كما هو الحال مع معظم أجزاء Orcs Must Die! القصة ليست المحرك الأساسي، لكنها موجودة لتمنح سياقاً لمجزرة الأوركس التي تخوضها. تلعب دور حارس (War Mage) أو ساحرة (Sorceress) مكلف بحماية البوابات السحرية من جيوش المخلوقات القادمة من عوالم أخرى. أسلوب السرد نفسه لا يتجاوز الحدود البسيطة، حوارات مضحكة ومقاطع قصيرة ذات نبرة ساخرة تميز السلسلة منذ بدايتها. ورغم بساطته، يؤدي الغرض المطلوب. وهو إبقاء اللاعب على دراية بما ما يحدث على الشاشة.
أسلوب اللعب
يظل أسلوب اللعب هو الجانب الأبرز في Deathtrap حيث يدمج بين بناء الفخاخ بأنواعها المختلفة لصد جيوش الأعداء، وبين التدخل المباشر في المعركة عبر القتال اليدوي أو من مسافات بعيدة، مع استغلال القدرات الخاصة لكل شخصية.من أكبر الاختلافات في Deathtrap مقارنةً بباقي أجزاء Orcs Must Die! هو دمجها لبعض عناصر الـRoguelite ما يجعل التجربة أقل خطية وأكثر ديناميكية وعشوائية. لم يعد الأمر يقتصر على بناء الفخاخ ومواجهة موجات ثابتة من الأعداء، بل أصبحت كل جولة مختلفة قليلاً بفضل العشوائية التي تواجهها بين المراحل.كل جولة تتكون من مجموعة من المهمات وكل مهمة تتكون من 6 موجات من الأعداء بعد إنهاء كل موجة، يحصل اللاعب على مكافآت أو مؤثرات خاصة تغيّر شكل اللعب في الجولة التالية، وغالباً ما تنقسم إلى:
- تعزيزات للشخصية مثل زيادة في نقاط الصحة أو الضرر أو تطوير لإحدى المهارات السحرية أو قدرات القتال القريب.
- تحسينات للفخاخ مثل تقليل تكلفة نصب الفخاخ. و مضاعفة الضرر أو إضافة تأثيرات نسبية مثل زيادة مدىأو سرعة تفعيل الفخ.
- تأثيرات عشوائية فأحياناً تظهر خيارات ذات جانب سلبي وإيجابي معاً، مثل تعزيز ضررك لكن على حساب صحتك القصوى. أو جعل أحد الفخاخ الخاصة بك أقوى لكن مع زيادة قوة الأعداء في الموجة القادمة.
للأسف كل هذه الإضافات نسبية لكن على الأقل هذه الإضافات والتغيرات البسيطة تجعل كل جولة تجربة فريدة قليلاً عن سابقتها، كما أن عنصر العشوائية في هذه التأثيرات يضيف إحساساً بالفضول. فأنت لا تعرف تماماً ما الذي ستحصل عليه بعد نهاية المرحلة، وهذا يعزز من قيمة إعادة اللعب (Replayability) بشكل كبير.عناصر الروقلايت في Deathtrap لم تغيّر هوية السلسلة بالكامل، لكنها أضافت تغيراً مرحّباً به. المؤثرات بعد كل مرحلة لا تمنح فقط إحساساً بالتقدم، بل تدفعك أيضاً لإعادة التفكير في أسلوبك مع كل جولة جديدة. النتيجة هي تجربة تجمع بين متعة الأكشن الكلاسيكي للسلسلة وبين إحساس التجدد الدائم الذي يميز ألعاب الـ Roguelite.
الفخاخ:
تظل الفخاخ قلب السلسلة النابض، والعنصر الذي يمنحها شخصية خاصة. اللعبة تقدم مجموعة واسعة من الفخاخ المتنوعة، من الأرضية إلى الجدارية والبيئية، مع تأثيرات تتراوح بين الإبطاء، التجميد، الحرق، والدفع. ورغم أن الكثير من هذه الفخاخ مأخوذ مباشرةً من الأجزاء السابقة في سلسلة Orcs Must Die!، إلا أن طريقة دمجها مع عناصر الـRoguelite وإمكانية تطويرها تدريجياً يضفي عليها روحاً جديدة.
الإبداع هنا لا يكمن فقط في شكل الفخاخ، بل في كيفية استغلالها ضمن تصميم الخرائط ومزجها مع القدرات الخاصة للشخصيات. بعض الفخاخ تعمل بشكل ممتاز عند تجميع الأعداء في نقاط الاختناق، بينما أخرى أكثر فاعلية ضد وحدات معينة كالأعداء السريعين أو الطائرين. هذا التنوع يجعل التخطيط الدفاعي تجربة ديناميكية تجبرك على التفكير الاستراتيجي وعدم الاكتفاء بوضع نفس التشكيلة في كل مرة. ورغم الاعتماد الكبير على إرث السلسلة، فإن التنفيذ يظل مقنعاً ويضيف طبقة من العمق التكتيكي الذي يجعل كل جولة مختلفة عن الأخرى.
تنوع الشخصيات:
أيضاً تنوع الشخصيات في Deathtrap هو واحد من أكبر عناصر قوتها وأكثر ما يجعل التجربة قابلة للاستمرار بعد عشرات الساعات. اللعبة لا تكتفي بمنحك فخاخ ذات أفكار و استخدامات مميزة ، بل تمنحك أساليب لعب مختلفة جذرياً تعيد تعريف استراتيجيتك بالكامل. فكل شخصية هنا ليست مجرد مظهر أو سلاح جديد، بل عقلية جديدة في التعامل مع الخطر القادم من الوحوش. اللعبة توفر أكثر من فئة يمكن للاعب اختيارها، ولكل واحدة فلسفة لعب خاصة. منها من يعتمد على القتال القريب وتكون مثالية لإيقاف الأعداء عند الخطوط الأمامية و تمتلك تحمل عالي والقدرة على التصدي لموجات كثيفة من الأعداء مع محدودية التعامل مع الأعداء الطائرين أو البعيدين إلا بمساعدة الفخاخ.
وشخصيات تعتمد على السحر الهجومي والدفاعي، بقدرات تتراوح بين ضربات بعيدة المدى وتعويذات (AOE) للسيطرة على مجموعات كبيرة من الأعداء.أو الشخصيات التي تركز على الأسلحة بعيدة المدى ، مثل الأقواس أو البنادق السحرية التي تكون مثالية لاصطياد الأعداء قبل وصولهم إلى الفخاخ أو البوابات.
نظام القتال اليدوي:
رغم التحسينات التي حاول المطورون إضافتها، لا يزال يفتقر إلى العمق والوزن. تشعر أن شيئاً ناقصاً دائماً، وهذا الشعور بالنقص دائما يجعل الاشتباكات اليدوية المباشرة لا تحمل العمق أو الثقل الكافي لتكون خياراً أساسياً ممتعاً. من ما يجعل الشخصيات التي تركز على المدى القريب آخر خياراتي عندي اللعب.
أنظمة الترقيات الخاصة بالفخاخ والشخصيات:
تعاني اللعبة من هذا الجانب من كونها محبطة. مثل أن تحصل على +5% ضرر أو +10% سرعة إعادة شحن. وهذا لا يضاهي مستوى الخيارات التي كانت متاحة في الأجزاء السابقة من Orcs Must Die حيث كنت تمتلك حرية أكبر في التخصيص، مثل تحويل الأسهم العادية إلى نارية لزيادة عداد الكومبو الخاص بك، أو الاختيار بين جعل الرماة المساعدين يعالجونك أو يطلقون سهام النار على الأعداء. مثل تلك كانت قرارات استراتيجية ذات أثر حقيقي على أسلوب اللعب، أما في Deathtrap فالخيارات أغلبها نسبية بلا جوهر.
تنوع االأعداء:
جرى تصميمهم بذكاء شديد لإجبار اللاعب على تنويع استراتيجياته باستمرار. فهناك الأعداء المدرعون الذين يتحملون الضرر بشكل كبير ويحتاجون لتنسيق الفخاخ أو الهجمات المركزة من الخلف أو من الأعلى، والأعداء السريعون الذين يختبئون بين موجات الأعداء ويستهدفون البوابات ويتطلبون ردود فعل سريعة لإيقافهم، إضافة إلى الأعداء الطائرين الذين يفرضون أساليب مواجهة مختلفة تماماً عن الأرضيين. هذا التنوع يصنع إحساساً مستمراً بالتحدي، ويجعل كل موجة تجربة فريدة، حيث لا يمكن الاعتماد على خطة واحدة طوال الوقت، بل يجب تعديل التكتيك وفق طبيعة كل مجموعة من الوحوش.
تنوع الخرائط:
تقدم اللعبة مجموعة خرائط تتميز بجمال بصري ملحوظ وتنوع في الأفكار، من ممرات ضيقة تدفعك للتركيز على الفخاخ المكثفة، إلى مساحات شاسعة تتيح خيارات دفاعية أوسع. على المستوى الجمالي، يظهر الاهتمام بالتفاصيل من خلال الخلفيات، والمؤثرات المناخية مثل المطر والليل، التي تضيف لمسة حيوية وتعزز من انغماس اللاعب في الأجواء. لكن من الناحية العملية، لا تخلو الخرائط من مشاكل مؤثرة على أسلوب اللعب.كون الخرائط الكبيرة جداً تجعل التجربة مرهقة و مزعجة جدا إذا لعبتها منفرداً، إذ تجبرك على التنقل المستمر بين النقاط البعيدة، مما يقلل من الإيقاع السريع الذي تتميز به السلسلة. أما عند اللعب التعاوني، فإن الخرائط الكبيرة تتحول إلى فرصة حقيقية لتقسيم الأدوار. لاعب يركز على جبهة معينة وآخر يتنقل لدعم النقاط الضعيفة، ما يضيف طبقة إضافية من العمق الاستراتيجي.
في المقابل، الخرائط ذات الحجم المتوازن تمنح تجربة مثالية للاعب الفردي، حيث يظل بإمكانك إدارة الفخاخ وخوض القتال دون شعور بالضغط المفرط.ورغم تميز الخرائط بصرياً وتصميمياً و تنوع فئات الأعداء، إلا أن استخدام نفس الأعداء في جميعها يمثل تراجعاً ملحوظاً عن الأجزاء السابقة، حيث كان تنوع الأعداء وتميزهم بين الخرائط عاملاً رئيسياً في كسر الروتين وإبقاء كل جولة جديدة.
اللعب التعاوني:
على الرغم من المتعة الشديدة في اللعب التعاوني بين 4 لاعبين بدل 2. إحدى أبرز مشاكل Deathtrap تكمن في أنها مبنية بالكامل تقريباً على اللعب التعاوني، وهو ما يجعل التجربة الفردية تعاني بشكل واضح. حتى عند استخدام كل الحواجز المتاحة و التخطيط المستمر، هناك أنواع معينة من العقبات التي تكون مستفزة على اللاعب الفردي، مثل الـUnstable Rifts التي تكاد تظهر بشكل متكرر في معظم الجولات، ومع المطر يأتي تهديد إضافي من الـWater Elementals. كل هذه العوامل تتراكم لتجعل التجربة الفردية أقرب إلى معاناة غير متوازنة.في ألعاب Orcs Must Die! السابقة، كانت المعادلة واضحة. اللعب الفردي يجب أن يكون تجربة صلبة وممتعة بحد ذاته، واللعب التعاوني يكون بمثابة إضافة تزيد العمق والمتعة. لكن في Deathtrap التجربة الفردية مزعجة. هذه ثغرة جوهرية تضرب أساس السلسلة من ناحية الحرية. وتضعف من قيمتها عند اللاعبين الذين يفضلون خوض التحديات بمفردهم.
التوجه الفني و الصوتي
تعتمد Deathtrap مثل سابقتها من الأجزاء على توجه فني كارتوني جميل يمنحها شخصية بصرية مميزة، بعيداً عن الواقعية الثقيلة التي قد تُفقدها طابعها الخفيف والسّاخر. الألوان الزاهية، التصاميم المبالغ فيها للشخصيات، والمؤثرات البصرية للفخاخ والتعاويذ تجعل المشاهد مليئة بالحياة وتخدم هوية السلسلة بشكل مثالي.
كذلك تقدم اللعبة جانباً صوتياً متماسكاً يُكمل التجربة البصرية. الموسيقى الخلفية تنجح في رفع حدة التوتر خلال الموجات الكبيرة مع موسيقى مميزة لكل خريطة، بينما المؤثرات الصوتية للفخاخ وانفجارات السحر أو صوت ارتطام الأعداء بالأرض تضيف إحساساً مرضياً بالثقل والتأثير. هذه العناصر تجعل كل مواجهة أكثر حيوية وتُشعرك بأنك بالفعل تسيطر على ساحة معركة مضطربة.مع ذلك، يظل الجانب الصوتي بعيداً عن الكمال. إذ تعاني اللعبة من إعادة تدوير الحوارات والنكات بين الوحوش من الأجزاء السابقة، ما يُفقدها عنصر الطرافة مع مرور الوقت. كذلك، غياب التفاعلات الصوتية المتنوعة بين الشخصيات القابلة للعب يقلل من حيوية التجربة التعاونية، التي كان يمكن أن تستفيد كثيراً من تبادل التعليقات أو المواقف المضحكة بين اللاعبين.
الجانب التقني
من الناحية التقنية، يقدم العنوان أداءً مستقراً وسلساً حتى في أشد لحظات الفوضى على الشاشة. معدل الإطارات يظل ثابتاً، وزمن التحميل قصير، ما يسمح بالانتقال السلس بين المراحل دون إزعاج. هذه النقاط تجعل التجربة متماسكة على الصعيد الفني والتقني .
بدمجها بين العناصر Rouge-lite والتنوع الغني في الشخصيات والفخاخ والأعداء، تحاول Deathtrap أن تدفع السلسلة إلى مستوى جديد من العمق الاستراتيجي. ورغم بعض نقاط الضعف، مثل سطحية أنظمة الترقيات، ضعف نظام القتال اليدوي و كون اللعبة غير موزونة في اللعب الفردي، إلا أن اللعبة تعوض ذلك بفضل التجربة الديناميكية، التحديات المتجددة، والجانب التعاوني. النتيجة النهائية هي لعبة قد لا تكون مثالية، لكنها بلا شك تحمل مزيجاً فريداً من الأكشن والتكتيك يجعلها تجربة مميزة داخل السلسلة.
المحاسن
- دمج عناصر Roguelite أضاف تنوعاً للتجربة و جعل كل run مختلف و مميز
- تنوع الشخصيات وقدراتها يفتح استراتيجيات لعب متعددة ويمنح كل لاعب أسلوبه الخاص
- تصميم الفخاخ الإبداعي، حتى مع إعادة استخدام بعضها من الأجزاء السابقة، يظل ممتعاً ويشجع على التجريب
- تنوع الأعداء بين مدرعين، طائرين، وسريعين يفرض على اللاعب تغيير تكتيكاته باستمرار
- جمالية الرسوم والتوجه الفني في تصميم الخرائط من الناحية البصرية، مع لمسات فنية مثل التغيرات المناخية التي تعزز الأجواء مع أداء تقني مستقر
- اللعب التعاوني الذي يرفع التجربة لمستوى آخر، حيث يضيف تنسيق الأدوار بين اللاعبين بعداً استراتيجياً ممتعاً يجعل صدّ موجات الأعداء أكثر إثارة وتنوعاً
المساوئ
- نظام القتال اليدوي يفتقر للعمق والوزن، ولا يقدم متعة كافية ليكون خياراً أساسيا
- شجرة تطوير الشخصيات و الترقيات للفخاخ سطحية مقارنة بالأجزاء السابقة، وتعتمد على نسب بسيطة بلا تأثير استراتيجي حقيقي
- بعض من الخرائط واسعة جداً بشكل مزعج في اللعب الفردي. نظام العملة (Coin) غير متوازن، وغالباً ما ينتهي بك الأمر بموارد ضخمة بلا فائدة بسبب عدم وجود ما يمكنك شرائه
- التوازن العام يميل بوضوح إلى اللعب التعاوني، مما يجعل التجربة الفردية صعبة بشكل غير ممتع
- الجانب الصوتي يعاني من تكرار النكات والحوارات من الأجزاء السابقة، وقلة التفاعلات بين الشخصيات القابلة للعب









شارك في النقاش
لتترك تعليقًا، سجِّل دخولك.